منتديات السطري اون لاين

أهلا وسهلا بالجميع

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات السطري اون لاين

أهلا وسهلا بالجميع

منتديات السطري اون لاين

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

***دونلوود بلا حدوود***


    كتاب اصحاب الاخدود

    mohamed alsatry
    mohamed alsatry


    عدد المساهمات : 60
    نقاط : 181
    تاريخ التسجيل : 22/08/2012

    كتاب اصحاب الاخدود Empty كتاب اصحاب الاخدود

    مُساهمة من طرف mohamed alsatry الخميس أغسطس 23, 2012 6:05 am


    أصحاب الأخدود

    رفاعي سرور




    مقدمة الطبعة الخامسة


    سورة البروج..
    المقروءة...آيات ميسرة في تهجد محنة وبلاء.
    والمسموعة...صوت أنفاس أخيرة في حياة الشهداء.
    والمكتوبة...خدش أظافر مستضعفة في حائط سجن لتكون أفقًا وسماءً.
    والمروية.. قصة تبيان عن النبي صلى الله عليه وسلم..
    أصحاب الأخدود.
    وقف لازم في قراءة تاريخية للدعوة.
    ودرس تام في منهجها..
    وتجربة كاملة في واقعها..
    وهذا هو الطريق..
    المؤلف

    بسم الله الرحمن الرحيم


    مقدمة المؤلف


    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..وبعد:

    هذه القصة حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم..وكل من يروى حديثًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم إما أن يكون من الرواة المتخصصين في الرواية مثل أبى هريرة وابن عباس،وإما أن يكون صحابيًا غير متخصص دفعه إلى الرواية إما ارتباط الأحكام التي يتضمنها الحديث بمعيشته مثل عدي بن حاتم الذي روى أحاديث الصيد لأنه كان صيادًا، وإما أن يكون الدافع في الرواية هو عمق التأثر بمعاني الحديث، وراوي هذا الحديث ممن دفعهم عمق التأثر بالمعنى، وهو صهيب الرومي الذي كان مستضعفًا في مكة وأراد أن يهاجر مع الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يتمكن فحاول الفرار بعد الهجرة فعلم المشركون بخبره فتعقبوه فلما اقتربوا منه قالوا له: جئتنا فقيرًا فاغتنيت عندنا فهل تريد أن تذهب بهذا المال إلى محمد؟ فقال لهم: إذا أخبرتكم عن مكان المال تتركوني؟ قالوا:نعم،فدلهم على مكان المال،فتركوه، فذهب إلى رسول الله وأخبره فقال له:"ربح البيع،ربح البيع"[1].

    وفيه نزل قول الله تعالى:{ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد} [البقرة 207].

    وقد روى خباب بن الأرت جزءًا من هذا الحديث عن رسول الله وهو الذي ذكر فيه العذاب الذي تعرض لـه أصحاب الدعوة والشق بالمناشير كما سيجيء في القصة، ويكفي لمعرفة خباب أن يكون هو الناطق برجاء كل المستضعفين حيث يقول:« أتيت النبي وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلت ألا تدعو الله لنا؟ ».. وفي رواية« ألا تستنصر لنا »[2].

    كما يكفي لمعرفة خباب أن يكون آخذ سورة الشعراء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

    روى الإمام أحمد عن معدي كرب قال Sadأتينا عبدالله فسألناه أن يقرأ علينا طسمالمائتين فقال: ما هي معي، ولكن عليكم بمن أخذها من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: خباب بن الأرت.قال: فأتينا خباب بن الأرت فقرأها علينا رضي الله عنه).[3]

    وفي صحيح الترمذي ملاحظة هامة في رواية هذا الحديث وهي:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذكر مع هذا الحديث حديثًا آخر عن صهيب قال: كان رسول الله،إذا صلى العصر همس -والهمس في قول بعضهم: تحرك شفتيه كأنه يتكلم –فقيل له:إنك يارسول الله إذا صليت العصر همست.قال:إن نبيًا من الأنبياء كان أعجب بأمته فقال:من يقوم لهؤلاء، فأوحى الله إليه أن خيِّرهم بين:أن أنتقم منهم،وبين أن أسلط عليهم عدواً لهم؟ فاختاروا النقمة فسلط عليهم الموت فمات منهم في يوم سبعون ألفًا.

    قال:وكان إذا حدث بهذا الحديث الآخر عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« كان ملك... » وبذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذين الحديثين معًا ودائمًا.. يتحقق بُعدان أساسيان لقضية واحدة وهي قضية العلاقة بين العدد والفاعلية القدرية للعدد.

    · حيث يمثل الحديث الأول بُعد الكثرة الفاقدة لفاعليتها بالعجب بهذه الكثرة وهو مضمون الحديث الأول.
    · والقلة المحققة لفاعليتها بتجردها من حولها وقوَّتها إلى حول الله وقوَّته وهو مضمون هذا الحديث حيث لم يتجاوز أصحاب الدعوة فيه ثلاثة أفراد (الراهب والغلام والجليس).
    · يتمم هذا البُعد ما ورد عن القصة في القرآن حيث جاء قول المفسرين في قول الله تعالى: {وشاهدٍ ومشهود}،أن {وشاهد} هو يوم عرفة، و{مشهود} هو يوم الجمعة. وكلاهما يمثلان الكثرة المحققة لفاعليتها بعبوديتها وتواضعها.
    ·
    ولعلنا ننتبه إلى أن هذه الملاحظة الهامة - ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الذي أعجب بأمته وحديث(كان ملك..) _واردة عن صهيب أيضًا.
    إنه حديث المستضعفين..ودرس الذين عاشوا الدعوة في أيام الآلام والعذاب.

    وهذه هي القيمة الأساسية للقصة.

    يتبعها أن القصة تجربة كاملة للدعوة:ففي أحداثها كل مراحل العمل وأساليبه من بداية الدعوة الفردية إلى مرحلة الإيمان الجماعي، متضمنة النقلة المرحلية الأساسية للدعوة من السرية إلى العلنية.

    كما أن أحداثها تحقيق مباشر لقدر الله مما يجعل هذه القصة مجال بحث دقيق لتحديد منهج الدعوة بتصور القدروالأسباب ليصبح هذا المنهج قادرًا على تحقيق الواقع الإسلامي الذي نسعى إليه.

    رفاعي سرور


    نص الحديث


    عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

    « كان ملك فيمن كان قبلكم،وكان لـه ساحر،فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إلي غلامًا أعلمه السحر،فبعث إليه غلامَا يعلمه. فكان في طريقه، إذا سلك، راهبٌ فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه.فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب،وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه.. فشكى ذلك إلى الراهب.فقال:إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل:حبسني الساحر. فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة.قد حبست الناس فقال: اليوم أعلم: الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجراً فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة، حتى يمضي الناس. فرماها فقتلها.ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره،فقال لـه الراهب: أي بني! أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى،وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدلَّ عليَّ.وكان الغلام يبرىء الأكمه والأبرص،ويداوي الناس من سائر الدواء،فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة.فقال: ما ههنا لك أجمع، إن أنت شفيتني.فقال إني لا أشفي أحداً.إنما يشفي الله (تعالى) فإن آمنت بالله تعالى دعوت الله فشفاك.فآمن بالله تعالى فشفاه الله. فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال لـه الملك:من رد عليك بصرك؟ قال: ربي.قال:أولك رب غيري؟ قال:ربي وربك الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام. فجيء بالغلام فقال لـه الملك: أي بني، قد بلغ من سحرك ما تبرىء الأكمه والأبرص وتفعل ما تفعل؟.. قال: إني لا أشفي أحداً. إنما يشفي الله (تعالى) فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فوضع في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك فقيل لـه: ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه.ثم جيء بالغلام فقيل لـه :ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته.فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه،فذهبوا به فصعدوا به الجبل.فقال:اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقال لـه الملك:ما فعل أصحابك؟فقال كفانيهم الله (تعالى) فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال:اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت،فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال لـه الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله (تعالى).فقال للملك إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به!فقال:ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس وقل:بسم الله رب الغلام. ثم ارمني. فإنك إن فعلت ذلك قتلتني. فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع.ثم أخذ سهماً من كنانته.ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: بسم الله رب الغلام،ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في موضع السهم فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام ثلاثاً فأُتيَ الملك فقيل لـه: أرأيت ما كنت تحذر؟قد، والله! وقع بك حذرك. قد آمن الناس فأمر بالأخاديد في أفواه السكك فَخُدَّت وأُضرم (فيها) النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل لـه:اقتحم.. ففعلوا حتى جاءت امرأة معها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام: ياأمه! اصبري فإنك على الحق »[4].(رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي).

    « كان ملك فيمن كان قبلكم وكان لـه ساحر » وهذه هي بداية القصة، وهذا هو التحديد التاريخي لأحداثها دون ذكر للزمان والمكان لتتجرد معاني تلك الأحداث وتصبح مجردة ومطلقة فيمكن- اعتناقها والاستفادة بها بغير الارتباط أو التعلق بظروفها وملابساتها.

    فكان تجريد أحداث هذه القصة هو الأساس التسجيلي لها لأنها أتت بعد ذلك إثباتاً تاريخياً موجهاً نحو تحقيق قيمتها كتجربة قائمة إلى نهاية الزمان وإلى اليوم الموعود.

    ولهذا جاء كل التحديد التاريخي في قول الرسول صلى الله عليه وسلمSadفيمن كان قبلكم ) يريد فيما مضى ولكنه يربط هذا الماضي بحاضر الدعوة في عهده فيقولSadقبلكم) وبذلك أضيفت أحداث هذه القصة.. بعد تجريدها إلى واقع الدعوة القائم الآن. حيث أن هذا الواقع القائم الآن هو الامتداد الصحيح لواقع الدعوة منذ بدايتها مع بداية الزمان. وهذا هو المعنى الأول المأخوذ من تلك البداية.

    والمعنى الثاني:هو أن هذه البداية حددت باللفظة الأولى (كان ملك..) طبيعة هذه الدعوة فكان أول ما وضح منها هو ضرورة المواجهة- منذ البداية - بين واقع الدعوة والسلطة الكافرة التى تسيطر على واقع الناس المراد تحقيق غاية الدعوة فيهم.

    ولقد برزت ضرورة المواجهة بين الدعوة إلى الحق والحكم الباطل بصورة واضحة جداً في دعوة موسى إذ قال سبحانه له: {اذهب إلى فرعون إنه طغى} [النازعات:17].

    ذلك أن الرسالة لم تكن أصلاً إلى فرعون لأن موسى كان مرسلاً إلى بني إسرائيل وكان كل ما يريده هو الخروج ببني إسرائيل من مصر: {فأرسل معى بنى إسرائيل}.[5]

    ورغم هذا فإن المواجهة كانت مع فرعون باعتباره مسيطراً على واقع الناس الذين كانت الرسالة إليهم.

    وكانت مواجهة عقيدية مرتبطة بتصور الدعوة ومنهجها مؤكدة كل حقائق الرسالة وقضاياها وبهذا يكون موسى قد بدأ بدعوته إلى بني إسرائيل البداية الطبيعية عندما واجه فرعون وملأه.

    وبذلك نفهم أن العداء بين الدعاة إلى الحق وبين حكام الباطل أمر بدهي مفروض من البداية وبمجرد التفكير في غاية الدعوة والنظر إلى واقع الناس.

    وعلى هذا فإن أي دعوة إلى الحق - تظهر في الواقع الباطل توجيهاً نظرياً أو فكرياً مجرداً لايتضمن تقدير مواجهة هذا الباطل في قوته وسلطانه ستكون قتيلة بسنن الوجود وتُلفظ من واقع الناس.. كالجنين الذي يلفظه الرحم وهو غير مخلَّق. فالدعوة إلى جميع الناس.. حاكمين ومحكومين لأن الدعوة دعوة للحق فلو كانت للمحكومين دون الحاكمين لأصبحت فكراً خاضعاً لمن يحكم بالباطل ولو كانت للحاكمين دون المحكومين لأصبحت وسيلة من وسائل هذا الحكم الباطل.

    ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصاً في بداية الدعوة على إعلانها على الملأ والجهر بأنها دعوة إلى جميع الناس فكان يبعث إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام وهو لا يزال في مرحلـةالاستضعاف تأكيداً لأبعاد الدعوة من البداية ودون اعتبار للإمكانيات أو مراعاة لميزان القوة بينه وبين هؤلاء الملوك.

    فمن الملوك من كان يفهم قصد الرسول صلى الله عليه وسلم مثل هرقل الذي وصلت رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوته إلى الإسلام فناقش أبا سفيان الذي كان حاضراً في بلاد الروم عندما أراد هرقل بحث أمر الرسالة. وتم حوار رائع حول الدعوة بين هرقل وأبي سفيان انتهى بقول هرقلSad والله لو كان كما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين ولو كنت أعلم أني أخلص إليه لتجشمت - تمنيت - لقائه ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه)[6] ثم يواصل تأكيد فهمه لطبيعة الدعوة الصحيحة فيوجه نصحه إلى الروم قائلاً: يامعشر الروم، هل لكم في أن يثبت ملكم فتبايعوا هذا النبي؟

    ومن الملوك من كان لايفهم قصد النبي صلى الله عليه وسلم مثل كسرى ملك الفرس الذي ذهل لجرأة الرسول صلى الله عليه وسلم في بعثه برسالة يدعوه فيها إلى الإسلام.

    ومزق الرسالة التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم إليه فدعا عليه بتمزيق ملكه كل ممزق وقال: (اللهم مزق ملكه كل ممزق).[7]
    وعندما يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملك الفرس نرىكيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبعث برسائله وهو يعتقد أن هذا حق لـه وأن لهذه الرسائل قيمة الدعوة كلها وأنها يجب أن تكون كذلك حتى في نفوس هؤلاء الملوك،فليست الدعوة أقل قيمة من ملك الفرس حتى تمزق دون أن يُمزق هذا الملك كل ممزق.

    ولقد كانت قريش من الذين لم يفهموا قصد الرسول صلى الله عليه وسلم فظنت أنه لايريد إلا الحكم- فعرض عليه سادتها أن يكون سيداً عليهم قائلين لـه Sadإن كنت تريد سيادة سودناك علينا)[8].فرفض الرسول صلى الله عليه وسلم تلك السيادة.

    فالحكم ضرورة في تصور الدعوة، ولكنه لن يأتي منحة من المغتصبين لـه ولن يتحقق بالمساومات الرخيصة. بل يجب أن يسترد بالجهاد والعمل ليكون ولاية شرعية حقيقية وليس مجرد تسلط شخصي أو سيادة فردية دون إمكانيات القيام بالحكم والاستمرار فيه بعد الوصول إليه.

    والمثال الذي يثبت هذه الحقيقة هو النجاشي ملك الحبشة الذي دخل الإسلام بنفسه ولم تدخل الحبشة وهو ملكها. لأن إسلام النجاشي وهو حاكم لم يكن معناه إمكانية الحكم بالإسلام.

    وكذلك هرقل ملك الروم يود أن تدخل الروم ويبدي تلك الرغبة قائلاً: (يا معشر الروم، هل لكم في أن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي)؟ ولكنه لايزيد شيئاً عن إبداء رغبته الشخصية في إسلام الروم رغم خضوعها لحكمه.

    ويجب ألا يمنع الاستضعاف ضرورة المواجهة بين الدعوة والحكم الظالم وليس في تلك المواجهة دون اعتبار للإمكانيات المادية - أي تهور، ولهذا بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن سيد الشهداء من يقوم إلى حاكم ظالم يأمره وينهاه، وهو يعلم أنه سيقتله فقالSadسيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام ظالم فأمره ونهاه فقتله)[9] لأنه أكد مايؤكده الشهداء بقتالهم الكافرين أصحاب القوة والسلطان ويزيد عليهم أن الشهداء كانوا يقاتلون باحتمال النصر أو الشهادة وهو يواجه باحتمال واحد وهو الشهادة.

    (وكان لـه ساحر) تفيد أن الساحر للملك والسحر للحكم ولم يكن السحر مجرد ظاهرة موجودة في المجتمع بل إنه إتجاه يحكم هذا المجتمع وعندما يحكم السحر نفهم طبيعة الواقع الخاضع فلابد أنه واقع فاسد قائم بالظلم ومحكوم بالهوى.

    فعلى رأسه ملك مبدأه السحر وسلطانه القهر..فلابد أن المنهج وهم وأن القيادة قهر وأن الفكر خرافة والواقع ضياع وعندئذ يكون الإنسان إما متكبراً لا يعجبه إلا نفسه أو مقهوراً لا يشعر بنفسه.

    والذي يجعلنا نفهم ذلك من البداية هو أن الحكم في أي واقع هو المحصلة النهائية لكل الأبعاد الاجتماعية. كما أنه الصورة الجامعة للتقاليد والإطار المحدد للأخلاق فكيف يكون هذا المجتمع ومحصلة أبعاده وصورة تقاليده وإطار أخلاقه... القهر والسحر؟

    وهذه ضرورة الحكم الظالم لأن الحكم بكل أشكاله سيطرة على الواقع الإنساني فإما أن يكون الحكم سليماً فيقوم على بناء كيان الإنسان وصيانته وفي هذه الحالة يكون من مصلحة الحاكم أن يكون الإنسان الذي يواليه عاقلاً عالماً قوياً. وهذا هو الحكم الإسلامي الذي يرعى الفرد ويقويه، وإما أن يكون الحكم جاهلياً فيقوم على تفتيت كيان الفرد وتشتيت كيان المجتمع لأن الحكم الجاهلي لايريد إلا السيطرة دائماً ولو إلى الدمار وفي هذه الحالة يكون من مصلحة الحاكم أن يكون الإنسان الذي يواليه غبياً جاهلاً ضعيفاً.

    والسحر باعتباره توهم وكذب يحقق أغراض الحاكم الظالم،وأي منهج ليس من عند الله يخضع لـه الناس يحقق نتائج السحر وليس هناك فارق بينهما إلا في الشكل والاسم فالمهم ألا يكون في المجتمع قوة عاقلة أو عقل قوي وهذا ما يتحقق بالسحر وبأي منهج بشري مهما كان لأن أي منهج غير إسلامي يتفق في خصائصه مع السحر. إذ أن السحر تخيل بتأثير عامل الخوف وباستغلال حالة الجهل وأي منهج يتخيل الإنسان أنه سليم بتأثير الإرهاب الذي يُفرض به المنهج من خلال الجهل والضعف يحقق نتائج السحر.

    (فلما كبر قال للملك إني قد كبرت فابعث إليّ غلاماً أعلمه السحر).

    ومن هذا القول نجد نموذجاً لبطانة السوء التى يهمها أن تبقى الأوضاع التي يستفيدون منها وينعمون فيها ومثلهم الواضح سحرة فرعون الذين جاءوا إلى المدائن لمواجهة موسى فكان أول ما قالوا: {إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين} الأعراف (113، 114).

    فلم يسألوا عمن سيواجهون وما هي قضيته..فهذا لا يهم ولكن الذي يهم هو الأجر، غير أننا نلحظ أن الساحر في طلبه للغلام لم يكن يريد منفعة شخصيةلأن الطلب جاء لما أحس الساحر بدنو أجله. فلم يكن يريد بهذا الطلب شخصه.
    وهنا يبرز معنى جديد وهو أن الساحر - لما كبر - وعاش عمره في تهيئة الواقع للملك مستفيداً ومنعماً لم يصبح الأمر بالنسبة لـه منفعة ذاتية بل أصبح ذاته نفسها التي أحب أن تستمر في شخص الغلام فقد قضى عمره ساحرا ولابد من امتداد لهذا العمر بعمر جديد.. فكان طلبه للغلام،ولكننا لا يجب أن نتوقف عند هذا الحد في تفسير طلب الساحر للغلام إذ أننا نرى الدافع إلى هذا الطلب هو الشيطان القائم على أمر الجاهلية بأجيالها الممتدة، حيث أن الشيطان يملك تجربة الوجود الإنساني كله من بدايته والتي يستطيع بها ربط الأجيال الجاهلية كلها جيلاً بعد جيل ليستهلك تلك الأجيال كلها باستمرار الفساد وبقائه.

    وبهذا يجب أن ندرك خطورة الوجود الجاهلي باعتباره وجوداً ممتداً وخطورة التفسير الذي يعطيه الجاهليون لبقائه في أجيال متعاقبة.

    فليس الامتداد تعاطفاً بين الأجيال لأن الجيل الجاهلي مفتت ومشتت لا يمكن أن يتعاطف حتى مع نفسه! وأي جيل جاهلي يدعي أنه يعمل للمستقبل الإنساني إنما يكون كاذباً في اختلاقه التعاطف مع أبناء المستقبل كما كذب في اختلاقه جذوراً تاريخية لـه في هذا الواقع الإنساني.كذلك فليس هذا الامتداد الجاهلي (حتمية تاريخية) مفروضة على الواقع الإنساني لا سبيل إلى إنهائها أو تغييرها لأن التاريخ وأحداثه لا يتحقق إلا بقدر الله وحده،والمسلمون وحدهم هم الذين يملكون بعقيدتهم وتصورهم سنن هذا القدر وأسباب تحقيقه وهم وحدهم أيضاً القادرون على إنهاء الوجود الجاهلي إذا التزموا بتلك السنن وأخذوا بهذه الأسباب.

    (فأتاه بغلام..)[10]

    وحينما يقرأ الإنسان هذه العبارة يود لو أنه يستطيع أن يمد ذراعه ليأخذ ذلك الغلام وينجيه من هؤلاء الناس فإنه لايحزن لشيء أكثر من ضياع الفطرة وإفسادها في مناخ المجتمعات الظالمة. فماذا لو نرى إنساناً يضيع وفطرة تفسد ثم لا نتقدم من أجل حماية هذه الفطرة بأي جهد أو عمل؟

    وماذا لو نرى إنساناً قد مات على الكفر بعد أن ولد على الفطرة ولم نكن قدمنا لـه أسباب الهداية والحق؟

    والداعية الحقيقي هو الذي يشعر بمسئوليته تجاه الفطرة الإنسانية وحمايتها من أي تأثير جاهلي ويحس إحساساً عميقاً بقيمة تلك الفطرة في واقع دعوته. فالفطرة هي رصيد الدعوة في الواقع الجاهلي وحينما تفسد فلن يكون للدعوة أي وجود أو امتداد وهذا ما قصده نوح عندما دعا بهلاك قومه لما رأى وجودهم في ضلال وامتدادهم في فجر وكفر {وقال نوح رب لاتذر على الأرض من الكافرين دياراً إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً} [نوح:26، 27]
    فقد بلغ الضغط الجاهلى بطون الأمهات فأصبحت النساء لاتلد إلا [فاجراً كفاراً]. فعند هذا لا يكون هناك أمل.[11]

    (وكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه).

    وبقدر الله سبحانه وتعالى يلتقى الغلام بالراهب في طريقه إلى الساحر بصورة عجيبة فقد قعد إليه وسمع كلامه فأعجبه ولكن القعود قبل السماع لم يذكر لـه سبب،ولم يكن هذا سهلاً على نفس الغلام فقد كان يتعلم السحر من الساحر والدين من الراهب بما بينهما من تناقض. فالدين حقائق واضحة وفكر منظم والسحر ضلالات غامضة وكذب ملفق،والدين يربي العقول والسحر يغتالها،والدين يعالج الواقع والسحر يضلل عنه، والدين يبني الحياة والسحر يهدمها ولهذا كان صعباً على الغلام أن يستمر في تلقيه الدين والسحر باطمئنان ولكنه يجلس إلى الراهب راغباً وإلى الساحر كارهاً.

    (فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه،فشكا ذلك إلى الراهب).

    وتلمح من النص أن الغلام كان على إصرار في القعود إلى الراهب لأنه كان يقعد إليه كلما أتى الساحر،رغم أن الساحر كان يضربه كلما تأخر عنه.

    وهذا الضرب يمثل بالنسية للغلام بلاءاً وامتحاناً إذا راعينا أنه غلام صغير.

    ولكن الله تبارك وتعالى يريد أن يتربى هذا الغلام - من البداية - تربية حقيقية كاملة ويريد أن يكون ارتباطه بالدعوة متفقاً مع طبيعتها لأن هذا الغلام سيكون منطلقاً أساسياً لتلك الدعوة،وسيكون دليل الناس إليها.

    لذا كان لابد من أن يكون شخصية متكاملة بمعنى التكامل الشخصي للدعاة والذي لا يتحقق ولا يتم إلا بالاستعداد للبلاء والصبر عليه عندما يقع.

    فطبيعة التلقي لهذا الدين هي التي تحدد طبيعة اعتناقه والالتزام به والدعوة إليه، والذين يتلقون هذا الدين على أنه بلاء، هم الذين يبقون إلى النهاية، وأخذ هذا الدين بقوة هو ضمان الاستمرار عليه.

    وبذلك أراد الله تبارك وتعالى أن يتفق تكوين هذا الغلام مع طبيعة الدعوة وأن لا تشذ شخصيته عن تكاليفها فابتلاه الله في لحظات التكوين ووقت النمو وفترة التربية فصدق وصبر.

    ولكن الغلام يشتكي إلى الراهب هذا البلاء شكوى الذي يعاني من مشكلة تعوق انطلاقه واستمراره ولم تكن شكوى الذي يقدم المعاذير ليتخلى ويتراجع، والحاسة السليمة للدعاة هي التي تكشف علة أي شكوى.

    ولما كان الأمر كذلك كان لابد أن يعالج الراهب لـه مشكلته وهذا واجب تفرضه الدعوة على الدعاة ليمهدوا الطريق أمام من يستجيب لهم.ولقد بين الله سبحانه قيمة هذا التمهيد حينما أمر موسى بالذهاب إلى فرعون فعرض موسى مشاكله على الله سبحانه وتعالى فقال: {ولهم علىّ ذنب فأخاف أن يقتلون }[12] [الشعراء: 14].

    و{قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هرون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيراًونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصيراً قال قد أوتيت سؤلك يا موسى} [طه:25-36].

    وكذلك لما بعث الله نبينا عليه الصلاة والسلام حيث يقول: (إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وإن الله ابتعثني في قريش قلت: يا رب إذن يثلغوا رأسي ويذروه خبزاً قال: قاتل بمن أطاعك من عصاك وابعث جيشاً نبعث خمسة أمثاله وأنفق فسننفق عليك)[13] وواضح من النص كيف عرض النبي صلى الله عليه وسلم مشكلته على ربه ومخاوفه من قريش كما عرض موسى مخاوفه من آل فرعون وكيف طمأنه الله سبحانه كما طمأن موسى.

    وبضرورة تمهيد طريق الدعوة أمام السالكين لـه فإن الراهب يقول للغلامSadإذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر).

    ومن قول الراهب تتبين لنا نظرته إلى الواقع فقد كان يعتبره"دار حرب" ولهذا أجاز لغلامه أن يكذب إذ أن الكذب لا يجوز إلا في ثلاث حالات كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم (لا يحل الكذب إلا في ثلاث يحدث الرجل امرأته ليرضيها والكذب في الحرب والكذب ليصلح بين الناس)[14].والحرب هي الحالة التي كان الراهب يعتبر نفسه عليها مع المجتمع الذي يعيش فيه.

    ولتوضيح فكرة جواز الكذب في هذه الحالات الثلاث التي جاءت في الحديث نجد أن الجواز جاء بتلك الصيغة « إن الله أجاز »[15]فالجواز هنا ليس أساسه أمر أو إباحة مطلقة ولكنه إباحة مقيدة بحالات محددة.

    والذي يقوم على توضيح الأمر بعد ذلك هو الحالة التطبيقية التي وقعت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت في غزوة الأحزاب: عن نعيم بن مسعود الغطفاني،أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بماشئت،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة).[16]

    فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديماً في الجاهلية فقال: يابني قريظة قد عرفتم ودي لكم وخاصة ما بيني وبينكم،قالوا: صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم: إن قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تحولوا منه إلى غيره، وإن قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره فليسوا كأنتم،فإن رأوا نهزة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم. فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمداً حتى تناجزوه فقالوا:لقد أشرت بالرأي، ثم خرج حتى أتى قريشاً فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمداً وبأنه قد بلغني أمر قد رأيت عليَّ حقاً أن أبلغكموه نصحاً لكم. فاكتموه عني، فقالوا:نفعل،قال تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه: إنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكموهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم؟ فأرسل إليهم: أن نعم. فإن بعث اليهود يلتمسون منكم رهناً من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحداً.

    ثم خرج حتى أتى غطفان فقال: يا معشر غطفان إنكم أهلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني، قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم قال:فاكتموا عني قالوا:نفعل فما أمرك؟ ثم قال لهم ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم وبذلك أوقع بينهم وانتصر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك عليهم.

    وليحذر كل من يمارس الدعوة من الخروج عن حدود النصوص التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم في جواز الكذب حتى لا تتسرب تلك الصفة إلى طبيعته فيكتب عند الله كذاباً ويفقد أقوى إمكانيات التأثير على الناس إذ أن الثقة في الداعية هي باب الإيمان بالدعوة وأساس التحرك فيها ولهذا فإن أول كلمة قالها النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته كانت لتأكيد أساس الثقة فيه فقال:« هل إذا قلت لكم أن الجيش مصبحكم. هل تصدقوني قالوا: نعم لأننا لم نجرب عليك كذباً قط قال: إني نذير بين يديّ عذاب شديد ».[17]ونعود إلى الغلام في مرحلة البلاء .

    ودائماً..مع شدة البلاء والأذى تظهر الآيات التى تعين على الصبر وتطمئن النفوس:« فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل! فأخذ حجراً فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس فقتلها ومضى الناس ».

    وهنا نكتشف أن الغلام كان قلقاً لتلقيه من الراهب والساحر في وقت واحد ولقد كان من الممكن أن يستمر الغلام في تلقيه للدين والسحر دون قلق إذا كان يسمع للراهب والساحر بدون شعور أو تفكير لأن السماع حينئذ سيكون مجرد اً من التأثر وسيصبح الدين والسحر عند الغلام مجرد فكر وكلام ولكن القلق الذي نشأ في نفس الغلام كان بسبب تأثره العميق بكلام الراهب وإدراكه السليم لمعنى الدين.

    ومن هنا ندرك الصعوبة الكبيرة التي يعانيها المسلم الأصيل في مواجهة الواقع الفاسد وندرك أن الأصالة الإسلامية لابد أن تحرك المسلم لتحديد موقفه كما فعل الغلام.وليس سبب القلق أن الراهب والساحر كانا في نظر الغلام سواء ويريد أن يطمئن إلى أحدهما، ولكنه كان يطلب اليقين من الواقع بعد اليقين بالفطرة في صدق ما عليه الراهب لأنه كان يطمئن إليه بدليل أن الغلام لما أراد الدعاء الذي سيتحقق به الاطمئنان فعلاً قال:« اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك منه أمر الساحر » لنفهم أن البدء بذكر أمر الراهب قبل الساحر يعني أنه يريد أن يرتبط إيمانه بالراهب، وكذلك نجد أن الغلام قالSadاللهم) وهذا بلاشك ما تعلمه من الراهب ويكون هذا معناه أن المقياس الذي أراد الغلام أن يفاضل به بين الراهب والساحر هو من عند الراهب وبتعاليمه مما يدل على أن حقيقة الدين استقرت في ضمير الغلام وملأت عقله وكيانه.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 12, 2024 6:47 am